أيها الأخوة والأخوات،
 
مع إطلالة عيد الميلاد المجيد فإنني أتمنى لكم أعياداً مجيدة تكون فيها نعمة الميلاد تظلل حياتكم بنور السلام الذي شعَّ من مدينة بيت لحم: مهد طفل السلام ومهد المسيحية الأول.
إن عيد الميلاد بقيمه ومعانيه يجعلنا نستذكر أحداث الرواية؛ منذ بزوغ نجمة الميلاد التي أنارت طريق الرعاة نحو مذود الطفل يسوع ليكونوا شهوداً للبشرية جمعاء على ميلاد ملك المحبة والسلام؛ في تلك اللحظة بزغ فجر المسيحية في الأرض المقدسة، ومن بيت لحم انطلقت رسالة الطفل يسوع؛ رسالة المحبة والسلام الأزلي إلى العالم أجمع. 
 
في هذا اليوم نعيش بفرحٍ نعمة الميلاد، ننشد الترانيم، نروي قصة مريم ويوسف والطفل يسوع لأطفالنا، نتبادل الهدايا ونتشارك الموائد ونقدم التبرعات ونزين شجرة الميلاد بالأضواء والزينة، ولكن وفي خضمِ هذه الأجواء فإننا وللأسف غالباً ما ننسى المسيحيين الفلسطينيين الذين حافظوا على الإيمان الذي شع نوره من مذود مغارة بيت لحم؛ هم من حافظوا على الإيمان المسيحي، هم من حموا وحافظوا على أكثر المواقع المسيحية قداسةً؛ كنيسة المهد. هم المسيحيون الأوائل والذين وبكل أسف فإن أعدادهم ووجودهم آخذٌ في الإضمحلال؛ إن الحقيقة المؤلمة أن نرى الأضواء تشع من شجرة الميلاد، بينما بيت لحم في شوارعها وأزقتها بيوتٌ كثيرة خلت من حجارتها الحية وخلت من زينتها بسبب هجرة مسيحييها.
 
أيها الأحباء!
المسيحيون الفلسطينيون -ممن بقوا في الأرض المقدسة- يعيشون أسوة بباقي الفلسطينيين معاناة يومية جراءَ استمرار الإحتلال الإسرائيلي للأرض والإنسان. فهم محاصرون بجدار فصل يعلوه أبراج حراسة عالية؛ ليست لتحرس هذه الأرض المقدسة بل لتشرذم أواصرها وتفصل مدينة مهدها “بيت لحم” عن توأمها ومدينة قيامتها “القدس”. للأسف فهم لا يمكنهم السفر دون المرور بإحدى الحواجز العسكرية، ولا يمكنهم التنقل للقدس وسائر الأماكن المقدسة إلا بتصاريح مرورٍ! قلة من يحصلون عليها! أراضيهم تصادر، مائهم يُسلب، آبائهم وأولادهم يعتقلون إدارياً دون إجراءات قانونية واضحة، الإضطرابات تتصاعد، والدماء تسفك كل يوم، والمقدسات المسيحية والإسلامية إستهدفت بإعتداءات كما حدث في كنيسة الطابغة “الخبز والسمك” والتي تعرضت للحرق العمد مؤخراً. إن حكمت القدير شاءت أن تكون قصة الميلاد قبل أكثر من ألفي عام؛ فإن حدثت في زمننا هذا لربما كانت رحلة مريم ويوسف من الناصرة إلى بيت لحم مليئة بالحواجز والعراقيل؛ وعلى الأغلب فإنهما لن يصلا إلى بيت لحم أبداً!
 
أدعوكم أيها الأحباء في هذا الميلاد، أن تتذكروا الفلسطينيين، وأن تتذكروا كلمات القديس بولس الرسول:
“فَإِنْ كَانَ عُضْوٌ وَاحِدٌ يَتَأَلَّمُ فَجَمِيعُ الأَعْضَاءِ تَتَأَلَّمُ مَعَهُ.”كورنثوس الأولى 12: 26-27
إن نظرتنا لقصة الميلاد لا يمكن أن تكون مختزلة فقط على حدث ميلاد ربنا ومخلصنا يسوع المسيح فحسب، بل هي حدث تاريخي فصل العالم إلى ما قبل وما بعد ميلاد السيد المسيح، حدثٌ نرى فيه ايضاً نزوح وهروب العائلة المقدسة “مريم ويوسف والطفل يسوع” إلى مصر هروباً من بطش وظلم هيرودس. بالتأكيد، فإننا في هذه الأوقات نرى وجه الطفل يسوع في وجوه آلاف اللاجئين ممن نراهم على وسائل الإعلام اليوم، دعونا كلما نتذكر قصة طفل الميلاد أن نتذكر أيضاً جميع اللاجئين ممن هربوا لتجنب العنف والموت والإضطهاد. إن لجوء المسيح أيضاً يمثل واقع لجوء

أيها الأحباء! أكثر من مليون فلسطيني مسيحي أجبروا على العيش خارج الأرض المقدسة.
دعونا نتذكر في عيد الميلاد هذا الـ200،000 مسيحي الذين ما زالوا يعيشون في الأرض المقدسة، فهم من حافظ على الإيمان وثبتوا وسط تزايد الصراع. وكما قال القديس بولس الرسول في رسالته:
“وَإِنْ كَانَ عُضْوٌ وَاحِدٌ يُكَرَّمُ فَجَمِيعُ الأَعْضَاءِ تَفْرَحُ مَعَهُ” كورنثوس الأولى 12: 26-27
لقد كرر التاريخ نفسه اليوم في معاناة ملايين اللاجئين. فالإضطهاد الذي يتعرضون له يعكس الإضطهاد الذي تعرض له المسيح من أجل البشرية جمعاء. وبالرغم من ذلك فإنها ليست نهاية قصة بني الإنسان، فقد عانى المسيح الآلام وصارع حتى لحظة الموت، ولكنه قام من بين الأموات، منتصراً على الموت، وزارعاً بذور الأمل والحب اللامتناهي بنعمة القيامة.
إن ميلاد المسيح حدثٌ عظيم! ونحن المسيحيون نحمل صليب المسيح في حياتنا لتكون تعاليمه، وتضحياته وآلامه، ومحبته مصدر فرح ورجاء دائم لنا!  فلنفرح ولنتهلل معاً – من بيت لحم لكل بقاع الأرض!
رسالة المسيح هي رسالة لكل البشر من مختلف الأمم والمعتقدات. إنها رسالة سلام وأمل.
رجائنا وصلاتنا في هذا العيد أن تتلاشى أيام المعاناة السوداء، وأن نحظى جميعنا -حول العالم- بتناغم وإنسجام وبمحبة وسلام أبديين. 
شكراً لتذكركم الفلسطينيين، وميلاداً مجيداً ومباركاً أتمناه لكم!
 
Untitled-3
راتب ربيع،
رئيس مؤسسة الأراضي المقدسة المسيحية المسكونية