راتب يعقوب ربيع، الرئيس التنفيذي ورئيس مجلس الإدارة

الرئيس ترامب يصلب القدس، مدينة السلام المقدسة

قام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالاعتراف الرسمي بالقدس كعاصمة سياسية “لدولة إسرائيل”. بضربة واحدة من قلمه، ضربة سياسية واحدة، قام بخيانة قرون من الالتزامات الدولية اتجاه المدينة المشتركة.  على الرغم من أن الكثيرين سوف ينكمشون في جهلهم وتجاهلهم لسياق مدينة القدس، من خلال الإشادة بمزاعم الرئيس ترامب الساذجة والمضللة “بالسعي لتحقيق السلام”، تؤكد مؤسسة الأراضي المقدسة المسيحية المسكونية أن مصير القدس لا يمكن ولن يقرره أحد منفرداً من القادة السياسيين أو الحكومات والجهات الأجنبية.

كيف يعقل، وبعد أكثر من ألفي عام من الرعاية والوصاية والعناية المشتركة بالمدينة المقدسة، أن يفقد الفلسطينيين، المسيحيين والمسلمين، في ليلة وضحاها، حقهم بوطنهم الروحي والجغرافي والتاريخي ومدينتهم؟! إنه ومن غير المعقول اعتبار القدس تحت الولاية القانونية والحكم المتفرد لأي كيان ديني أو سياسي. إن القدس يجب أن تكون مشتركة بين أتباع الديانات السماوية التوحيدية الثلاث، المسيحية والإسلام واليهودية. 

إن كلمات وأفعال الرئيس ترامب، لا تهدد فقط وصول الفلسطينيين وحقوقهم بالقدس، وإنما تهدد بتعطيل طابع وهوية القدس كذلك.

وكما حذر البابا فرنسيس في تصريحاته الأخيرة، فإن القدس مدينة فريدة، وهي مقدسة لليهود، والمسيحيين، والمسلمين، حيث تم التبشير بها هناك، وتوجد فيها أماكن مقدسة لكافة الديانات السماوية، وكذلك فإن هناك حاجة لدعوة خاصة للسلام. إن مثل هذه الهوية الفريدة يجب الحفاظ عليها وتعزيزها لصالح الخير والفائدة للأرض المقدسة، والشرق الأوسط، والعالم بأسره.

إن تكريس، بل إهداء مدينة القدس ومنحها “لإسرائيل” بمزاعم كاذبة بدعم عملية السلام التي تقودها الولايات المتحدة، تهين وتسيء إلى ذكائنا، وتقوض أحكامنا نحو الأفضل. وكما قال ادوارد سعيد في مقالته عن القدس قبل عدة أعوام، إن الحملة القوية التي تعترف بالقدس كمدينة تعددية متنوعة ومركبة هي بالتحديد الترياق المطلوب والذي نحتاجه للمضي قدماً، وإن المسار الذي يجري حالياً هو مسار غير حكيم ومستحيل التنفيذ… تحت شعارات السلام البالية والممزقة. إنني لا أرى هذه العملية التي يتم الإشادة بها والدفاع عنها والتهليل لها، عملية رائدة للسلام المستدام الذي يسعى الناس لعيشه.

إذا كان السلام الذي تسعى إليه الولايات المتحدة “وإسرائيل” هو السلام الذي تكون فيه القدس تحت السيطرة والحكم الإسرائيلي، فانه من الواضح أن السلام الحقيقي والدائم لهذا الجيل بعيد المنال.

إن الرئيس ترامب، بأقواله وأفعاله هذه، يضيف نفسه إلى قائمة طويلة من الأطراف والأشخاص الذين يسعون للمطالبة بالقدس لأجل مكاسبهم ومصالحهم الشخصية فقط، متجاهلين التاريخ، والقوانين، والحقائق المعقدة على أرض الواقع.

إن أتباع المسيح الأوائل هم المسيحيون الفلسطينيون، “الحجارة الحية” في الأرض المقدسة، والذين هم جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني. ولكي لا ننسى، أن يسوع المسيح قد ولد في بيت لحم، ونشأ في الناصرة، وأماكن أخرى من الأرض المقدسة، وهو النبي الوحيد الذي أمضى سنوات عديدة في القدس. وهناك، في القدس، حُكمَ وصُلبَ وبُعث قائماً من بين الأموات. 

إننا ندعو جميع المسيحيين حول العالم، ألا يتركوا القدس والمسيحيين الفلسطينيين، يُصلبون! لا تكونوا صامتين أمام التهديدات بانقراض المدينة المقدسة.

إن مؤسسة الأراضي المقدسة المسيحية المسكونية، تدين وبشدة، قرار الرئيس ترامب، وتطلب من كل الشعوب المحبة للسلام حول العالم أن يرفعوا أصواتهم ضد كل التحركات التي من شأنها تسليم القدس، سواء أكان رمزي أم فعلي، لأي جهة متفردة خصوصاً “إسرائيل”. إننا نطلب منكم، وفي هذه اللحظات التاريخية الصعبة التي يتعلق بها المستقبل، أن تقفوا متضامنين مع الشعب الفلسطيني، ضد أي كيان أو جهة تطالب بتدمير القدس كمدينة مشتركة للجميع. ولكل الغزاة المحتملين لمدينتنا المقدسة نقول: “أبقوا أيديكم بعيدة عن القدس”، القدس هي للجميع.

يبارككم الله


راتب يعقوب ربيع
رئيس مؤسسة الأراضي المقدسة المسيحية المسكونية