مقالة بقلم السيد راتب ربيع، رئيس مؤسسة الأراضي المقدسة المسيحية المسكونية HCEF
أصدرت إدارة ترامب إعلاناً شكل موجة صادمة لمنطقة الشرق الأوسط بأسرها، والتي هي منطقة غير مستقرة بالأساس. فقد أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية أن حكومة الولايات المتحدة لن تسمر في تقديم الدعم المالي لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا)، مما يعني التخلي عن أكثر من خمسة ملايين لاجئ فلسطيني، والذين يواجهون حالياً حالة إنسانية مزرية وصعبة للغاية.
وبالتوافق والرجوع للشعار المفضل للادارة الأمريكية الحديثة “جعل أمريكا عظيمة مجدداً”، فإن البيت الأبيض يدّعي أن أمريكا تأتي أولاً. في الوقت الذي يتم فيه تحسين الاتفاقيات التجارية، وإصلاح قانون الضرائب، وتعديل نظام الرعاية الصحية، كاهداف يتم العمل عليها من أجل مصلحة الشعب الأمريكي، ولكن وقف المساعدات للأونروا هو أمر غير إنساني وغير منطقي.
في عام 1776، كتب توماس جيفرسون “إعلان الإستقلال” الأمريكي، والذي شدد على الحقوق الطبيعية الثلاث: “الحياة، والحرية، والسعي وراء السعادة”. لقد أصبحت هذه الحقوق منتشرة ومتمسك بها على نطاق واسع من قبل الأمريكيين، كما وانتشرت على المستوى الدولي كذلك. منذ تأسيس الأونروا، وقفت كل الإدارات الأمريكية المتعاقبة – منذ عهد الرئيس ترومان وصاعداً- وقدمت دعماً قوياً وسخياً وملتزما لها. لقد كانت الولايات المتحدة الأمريكية على الدوام أكبر مانح منفرد للأونروا، وهو أمر ينبغي أن يشعل قلب كل إنسان، كما أنه ولنفس السبب يجب أن يشكر الأمريكيون لأجله.
أما الآن، ومن خلال حجب المساعدات الإنسانية عن الأونروا، فإن الولايات المتحدة الأمريكية تعرّض مستقبل أكثر من خمسة ملايين فلسطيني للخطر، وتقوض فرص تحقيق عملية السلام في الشرق الأوسط.
وبهذا فإننا ليس فقط نشوه سمعتنا كأكبر دولة على وجه الأرض، وكمدافعين عن حقوق الإنسان، وإنما ندمر كذلك دورنا كقادة ورياديين في نشر السلام والعدل حول العالم.
تأسست الأونروا عام 1949 لمنع ظروف الجوع على أثر موجة التهجير القسري الكبيرة التي عانى منها الشعب الفلسطيني خلال الحرب العربية الاسرائيلية عام 1948. ومع مرور الوقت، توسعت الأونروا لتقدم المعونة على نطاقات جديدة تشمل التعليم، والرعاية الصحية، والاستجابة الطارئة والعاجلة لأكثر من خمسة ملايين نازح في الضفة الغربية وقطاع غزة، والأردن، ولبنان وسوريا. ومع ذلك، فإن وزارة الخارجية الأمريكية تدعي الآن أن الأونروا هي منظمة “معيبة بشكل لا يمكن إصلاحه”، وأنها لن تسمر بتقديم الدعم لها بعد الآن، وستوقفه.
بصفتي مواطناً أمريكياً من أصل اردني وفلسطيني، أجبر والدي على مغادرة منزلهما الذي في القدس، ليهاجرا إلى الأردن في أعقاب النكبة عام 1948. إنني أدرك – بشكل خاص كونني وعائلتي لاجئ فلسطيني وعاصرت حياة اللاجئين بعد النكبة- الفوائد التي توفرها الأونروا للاجئي الفلسطينيين، كما أنني أعي احتمالية حدوث كارثة وأزمة حقيقية في أعقاب قرار هذه الإدارة، والذي ينهي بشكل رئيس النظام التعليمي الذي يخدم أكثر من خمسمائة ألف من أطفال المدارس، والرعاية الصحية لأكثر من ثلاثة ملايين شخص، وتوزيع الماء والغذاء لاكثر من اربعمائة ألف لاجئ.
لقد أعلن المجتمع الدولي عن قلقه الشديد من هذه التخفيضات، حيث كان قادة اليابان والمانيا يتحدثون ضد قرار الولايات المتحدة الأمريكية. وقال بيير كراهنبول، المفوض العام للأونروا، بأن هذه التخفيضات يمكن أن تتسبب في نفاذ الوكالة من الأموال المخصصة لتوزيع الغذاء في غزة، والدعم النفسي والاجتماعي في القطاع، وكذلك برامج النقد مقابل العمل (خلق فرص العمل) في الضفة الغربية وغيرها في غضون أسابيع قليلة. على الرغم من أن الولايات المتحدة وبلدان أخرى شددت من قبل على الحاجة إلى الإصلاح المالي داخل المنظمة، فإن قطع الدعم المالي المتمثل بمئات ملايين الدولارات عن الوكالة بشكل مفاجئ، يعرض حياة الكثيرين للخطر، وكذلك فإنه يؤدي وبشكل مباشر إلى زعزعة إستقرار المنطقة برمتها.
في خضم هذه الأوقات العصيبة وغير المستقرة سياسياً، يجب علينا أن نتسائل – كجمهويين وديمقراطيين ومستقلين، كمسلمين ويهود ومسيحيين وغيرهم- كيف نريد أن يتم تذكرنا كأمريكيين. هل نريد أن نكون البلد التي تدار كمن يدير أعمالاً غير أخلاقية، فيخفض من خسائره على حساب أطفال المدارس، وأضعف الفئات المجتمعية والسكانية؟ أم اننا نريد ان نكون الأمة التي وقف مدافعة لاجل السلام والعدالة والخير، ومن أجل الحياة والحرية وتحقيق السعادة للجميع كذلك؟
لطالما كانت وما زالت أمريكا عظيمة ورائعة. ولكن، ومن أجل الحفاظ على مكانة أمريكا، يجب على أمتنا أن تدافع عن المتعبين والفقراء والجماهير المحتشدة التواقة لتتنفس الحرية.
فليبارك الرب الولايات المتحدة ويحفظ الشعب الفلسطيني ويحميه.